تحرير: الكاتب و الباحث التوناتي أحمد المتوكل..
من الأَوْلى في هذه السنة إقامة المهرجانات أم تزويد الدواوير بالماء الصالح للشرب؟
بداية لست ضد المهرجانات التي تخلد الثقافة الشعبية أو لي مؤاخذات على الفن، ولا يمكن لعاقل أن ينكر ما للفن الملتزم وما للمهرجانات الهادفة من آثار صالحة للعباد والبلاد، لما يمكن أن تحققه من إشعاع ثقافي ووعي وفهم وتربية وترفيه للناس، كما تعرّف بالموروث الثقافي والشعبي المحلي، وإنما لي – كما لبعض الغيورين- ملاحظات وانتقادات على ما يقدَّم في بعضها وما ينفق فيها من أموال على حساب أولويات مُلحّة، وضروريات لا تقبل التأخير والتأجيل، بل تتطلب التسبيق والتعجيل.
انطلقت المهرجانات ونحن نعيش على وقع وضْع اقتصادي متأزم، وتحت ظلال سنة الجفاف المؤثرة سلبا على أوضاع المغاربة الاقتصادية والاجتماعية، أناقش القضية إذن من باب فقه الموازنات ومراعاة الأولويات وتقديم الضروريات، وترك أو تأجيل التحسينيات والكماليات.
لي ملاحظات عن كثرة المهرجانات بالمدن المغربية وما يصرف عليها من أموال، مع ما يعيشه المواطن المغربي من أزمات، ليحار القل ويطرح على نفسه أسئلة حرجة:
هل الشعب المغربي في حاجة ضرورية وملحة لمثل هذه المهرجانات؟.
ألا توجد أولويات تُصْرَفُ فيها الجهود والنقود قبل هذه المهرجانات؟.
وهل حققنا للمغاربة كل الضروريات والأساسيات؟.
وهل أزلْنا من واقعهم كل ما يحزنهم ويقلقهم وينغص حياتهم، وبعد ذلك أتحفناهم وسليناهم بما يمتعهم ويطربهم ويروح عنهم بمثل هذه المهرجانات؟.
إن حكمة المهتمين بالشأن السلطوي والسياسي والجمعوي والتنموي ينبغي أن تتجلى في الحرص على مصالح المواطنين ومتطلباتهم من الأمور الضرورية والعاجلة التي لا تقبل التأخير والإرجاء.
إن المنظمين والمشرفين والقائمين على هذه المهرجانات لو بذلوا المجهودات والأوقات التي يخصصونها للمهرجانات في التفكير والتخطيط وإعداد البرامج والخِطط للتنمية البشرية تربية وأخلاقا واقتصادا، والرقي بالبلاد والنهوض بشؤون العباد لكان خيرا لهم وللشعب وأجمل وأكمل وأرقى وأبقى وأنقى وأتقى.
ولمتسائل محروم من القوت والماء الصالح للشرب ومن أبسط الضروريات في سنة الجفاف هذه أن يتساءل: أليس توفير العلف والكلأ والماء لشرب الإنسان والدواب في البوادي، أوْلى وأسبق وأحق وأنفع لسكان البوادي من إقامة المهرجانات؟.
ولو خُير سكان البوادي الذين يكتوون بنار البطالة والحرمان وشظف العيش وانعدام الطرق والمواصلات هل يفضلون إقامة المهرجانات أم تُقضى مطالبهم الضرورية؟، لكان الجواب بنسبة عالية على رفضهم لهذه التفاهات والملاهي التي تضر أكثر مما تنفع، وتشتت الأموال والجهود أكثر مما تجمع.
إن المبالغ المالية الضخمة التي تصرفها الجهات المنظّمة والداعمة لصالح الجمعيات المشرفة على المهرجانات وببَذخ وسخاء لو خُصصت لخلق ودعم مشاريع اقتصادية مدرة للربح في البوادي تُستثمر فيها الطاقات والكفاءات البشرية التي ليس لها عمل، أو لحفر الآبار وإصلاح العيون وتعميق الحفر في الأماكن التي تعاني من نقص في المياه لتوفير الماء للناس ولدوابهم لخفَّتْ وطأة الجفاف وقلَّ تأثيره السيئ على الفلاحين وسائر المواطنين في القرى والمدن، ولانتفعت البلاد اقتصاديا وتنمويا، ولأنقذت المغرب من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تكاد تطحن الشعب المغربي وتجره إلى مصاف الدول الضعيفة المأزومة، وربما تكون -لا قدر الله- فتيلا لإشعال نار الفتن والمشاكل والاضطرابات الاجتماعية التي تضر بالبلاد والعباد.
وبعملية بسيطة وبتأمل أبسط منه ما صُرف وسيصرف على المهرجانات من ملايين الدراهم على الصعيد الوطني كفيل بالتقليل من آثار الجفاف لضمان الحد الأدنى من قوت الفقراء في البوادي وكلأ مواشيهم وعلفها.
إن الوضع الراهن للبوادي المغربية يتطلب توقيف دعم الأنشطة غير الضرورية وتخصيص ما كان مرصودا لها لشراء الصهاريج لنقل الماء وتخزينه وجعله رهن إشارة سكان الدواوير التي يقل بها الماء، واقتناء الجررات لإيصاله للقرى المعزولة التي لا تتوفر فيها طرق ولا مسالك معبّدة.
إن الواجب الوطني الإنساني في هذه السنة المُجْدِبَة يقتضي أن تتكاثف جهود كل المخلصين والغيورين من أبناء هذا البلد من أفراد ومسؤولين في كل الإدارات العمومية وسياسيين وجمعويين وشخصيات ثرية ومحسنين لتنظيم قوافل إغاثية محملة بكل ما يحتاجه سكان البوادي المتضررة من الجفاف وتقديمه لهم.
رضي الله عن أمير المومنين عمر بن الخطاب الذي حرَّم على نفسه اللحم والزيت والسمن في عام المجاعة حتى شبعه أبناء المسلمين، ومن العبرة من هذا الموقف العمري الرشيد السديد أن يكف المسئولون في بلادنا عن تنظيم مثل هذه المهرجانات – على الأقل مؤقتا- وإيقاف صرف الأموال الباهضة عليها حتى يشبع أبناء الفقراء، وتقضى حاجات المساكين.
كما أنه إذا قمنا بالواجب المطلوب منا اتجاه سكان البوادي سنساهم في الحد من النزوح والهجرة للمدن الكبيرة التي تعاني من دور الصفيح والكثافة السكانية والمشاكل الاجتماعية والأمنية.
إن الأوْلى بالأموال المخصصة للمهرجانات وللرقص والغناء أن تخصص هذه السنة لاستيراد الحبوب وعلف الحيوانات ولشراء محركات لضخ المياه للفلاحين من أجل سقي الأراضي التي يتوفر بها الماء من أجل إقامة فلاحة سقوية وإنتاج محاصيل زراعية ما كان لها أن تكون لولا ذلك، لأجل المساهمة في الرفع من الإنتاج في المحاصيل الزراعية، والتخفيف من حدة الجفاف الذي يضرب جل مناطق المغرب، ولإطفاء عطش الناس ودوابهم وأشجارهم.
والواجب على السلطات والجماعات المحلية والإدارات والمؤسسات التي تدعم المهرجانات تحويل ما كانت تدعم به من يسهر على المهرجانات وتحويله للمكتب الوطني للماء والكهرباء لإيصال ومد قنوات الماء الصالح للشرب للدواوير التي تعاني النقص في هذه المادة.
كما يتوجب على الفضلاء والغيورين والجمعويين من أبناء هذا الوطن العزيز من كل الجهات أن يقوموا بتفقد وإحصاء الدواوير الأكثر احتياجا للماء، وأن يُمدُّوا الأغنياء والمحسنين بالمعلومات عنهم من أجل إعطاء الأولوية لتوزيع المساعدات عليهم والتخفيف من معاناتهم.
إن الأمور التي ينبغي أن تُعطى لها الأولوية وتُصرَف فيها الجهود وتنفق فيها الأموال وتُسخَّر لها الإمكانيات المادية والمعنوية هي المطالب الأساسية والاجتماعية والمشاريع الاقتصادية والثقافية التربوية الشاملة للمواطنين عامة ولسكان البادية خاصة، وذلك من أجل التصالح مع المواطنين المهضومة حقوقهم، والتأسيس لمرحلة جديدة تستثمر فيها كل الوسائل المتاحة من أجل التنمية البشرية الحقيقية والنهوض بالمغرب والدفع به إلى مصاف الدول النامية المرتكزة على القاعدة الاقتصادية القوية.
وفي الختام أقول كفى من التضييع والتبذير، وسوء التدبير، والإنفاق على الكمنجة و”البندير”، وترك المعاناة تلازم المعطل والفقير، والإغداق بسخاء على المطرب والفنان، وإهمال إغاثة اللهفان، وترك إطفاء ظمإ العطشان من الإنسان والحيوان.
ألا فليتق الله القائمون على هذه الأمور في هذه البلاد، وليتقوا الله في هذا الشعب الذي جعله الله أمانة في أعناقهم، وليتقوا الله في الأموال التي جعلها الله أمانة في أيديهم وينفقونها على أمور أغلبية الشعب ليست لهم حاجة فيها ويحرمون منها الفقراء والمحتاجين، ويعطلون مشاريع الإصلاح والتنمية والبناء، ألا فليعلموا أن الله سيسألهم عنها يوم القيامة فليُعِدوا للسؤال جوابا، وبئس الجواب سيجدون في الدنيا والآخرة إن لم ينفقوها في مشاريع الخير، ولْيَعلَموا أنهم سيأتون يوم القيامة بذنوبهم وبذنوب من حرَموهم ضروريات الحياة، وأضاعوا أموال الشعب في السفاسف والتفاهات.
اللهم وفقنا لما ينفع بلدنا ومواطنينا، وجنبنا ما يضيع به ديننا ووقتنا ومالنا وأخلاقنا. والحمد لله رب العالمين.
التدوينة فقه الواقع .. ميزانية المهرجانات أحق بها سكان الدواوير لإغاثتهم من العطشظهرت اولا على ZINAPRESS.