في إطار الإصلاح الزراعي الذي قامت به الدولة المغربية بعد الاستقلال، تم منح أراضي فلاحية أو قابلة للفلاحة من ملك الدولة الخاص على بعض الفلاحين و ذلك طبقا للظهير الشريف277،72،1 بتاريخ22 ذي القعدة 1392هـ موافق 29 دجنبر1972، و الذي يعتبر بمثابة قانون يتعلق بمنح هذه الأراضي(الجريدة الرسمية عدد3178 بتاريخ26/09/1973 الصفحة3263)، و قد تم توزيع هذه الأراضي في صفة بيع بين الدولة و الفلاح كما يحدد ذلك الفصل 09 من الظهير الشريف المشار إليه، مع شرط الفسخ عند عدم الوفاء بالالتزامات التي يتحملها الفلاح، و تحدد كيفية أداء ثمن البيع بقرار مشترك لوزير الداخلية و وزير المالية و وزير الفلاحة كما يشير إلى ذلك الفصل 12، و تبقى القطعة الأرضية مرهونة لفائدة الدولة ضمانا للأداء إلى أن يتم دفع الثمن بكامله حسب الفصل 13.
و من البنود التي يتضمنها القانون المذكور الفصل15 الذي يؤكد أنه(في حالة وفاة الشخص المسلمة إليه القطعة فإن هذه القطعة و أموال التجهيز اللازمة لاستغلالها تسلم لوارث واحد من ورثته ما عدا إذا استرجعت الدولة القطعة طبق الشروط المحددة في الفصول التالية. و يتحتم على الوارث المسلمة له القطعة الأرضية أن يؤدي لباقي الورثة قيمة حقوقهم. غير أن الورثة يكونون ملزمين على وجه التضامن باستثمار القطعة و المحافظة على عناصر استغلالها إلى أن يتقرر تسليمها أو استرجاعها)
و بعد مرور عقود على توزيع هذه الأراضي على بعض الفلاحين، و بعد وفاة الكثير منهم، وجد أبناؤهم أنفسهم متخبطين في مشاكل عويصة تتمثل في صراعات عائلية لا حصر لها(أدت في حالات عديدة إلى إزهاق أرواح بين الإخوة، كما حدث بإحدى التعاونيات الزراعية المجاورة لمدينة فاس)، خاصة إذا كانت تلك الأراضي قد دخلت ضمن المجال الحضاري، حيث تم بيعها بمبالغ عالية استأثر بها الوارث الذي عوض الهالك دون باقي الورثة فهلك من هلك و حيي من حيي بغير بينة. و حينما يتوجه الضحايا إلى المصالح الإقليمية (المديريات الإقليمية للفلاحة)لا يجدون أجوبة شافية عن تساؤلاتهم أو يقابلون بالتضليل حول قضيتهم، أو يتم توجيههم إلى أجهزة القضاء في أحسن الأحوال.
و السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أليس هذا الظهير الشريف كافيا لفض هذا النزاع بين الورثة؟ و إلى متى تبقى مشكلة تفعيل القوانين عالقة في بلدنا بالرغم من وجودها؟
و تأكيدا على هذه الحقوق تم-بدائرة أملاك الدولة- توقيع عقد بتحديد تسليم بقعة تابعة لأملاك الدولة إلى أحد ورثة الممنوحة له سابقا بين الدولة- التي ناب عنها في العقد كل من وزير المالية و الاستثمارات الخارجية،و وزير الفلاحة و الاستثمار الفلاحي،و وزير الدولة في الداخلية- و بين الوارث الذي تسلم البقعة بعد وفاة الشخص الذي منحت له يتضمن ستة فصول، يؤكد الفصل الثاني منها على أن الوارث يتعهد بدفع قيمة الواجبات المستحقة إلى كل من الورثة الآخرين. إلا أن هذه القوانين لم تكن لتحد من الويلات التي يشهدها واقع التعاونيات الزراعية ما دامت لم تجد سبيلها بعد إلى التفعيل و التنزيل.
إن المتأمل في شأن هذا الموضوع ليجد نفسه أمام وضع يدعو إلى الغرابة لما ينطوي عليه من مفارقات كبرى لا يمكنها إلا أن تفسر الاستهتار الواضح بمصالح الفلاحين و أفراد أسرهم، هذه المفارقات التي يمكن اختزالها فيما يلي:
- إذا كان المشرع قد أكد على حقوق الورثة في حال وفاة الشخص المسلمة له القطعة، فلماذا تتضمن شهادة الملكية اسم الوارث الذي خلف الهالك فقط دون الورثة الآخرين ما داموا لم يتسلموا بعد حقوقهم المنصوص عليها قانونيا؟! لقد كان من الأولى أن تتضمن شهادة ملكية الأرض أسماء جميع الورثة ضمانا لحقوقهم إلى حين التوصل بها، و في حال عدم التوصل بها تبقى القطعة الأرضية تحت تصرف الجميع.
- لقد حدد الظهير الشريف المذكور-في الفصل5 من الجزء الأول- شروطا يجب أن يستوفيها الفلاحون المرشحون لنيل هذه الأراضي، منها: أن يزاولوا بصفة رئيسية و عادية مهنة فلاح أو نشاطا فلاحيا تؤدى عنه أجرة، و أن يكونوا قادرين بنية على استغلال أرض فلاحية. إلا أن الواقع يشهد بأن الأراضي تمنح من طرف اللجان الإقليمية لورثة-بعد وفاة المستفيدين الأصليين- لا تتوفر فيهم هذه الشروط؛ حيث تمنح لنساء لا علاقة لهم بميدان الفلاحة، الشيء الذي يثير العديد من التساؤلات عن مدى نزاهة هذه اللجان التي تسلم هذه الأراضي لأشخاص لا تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها قانونيا. ولا يخفى على الجميع ما ترتب على ذلك من نتائج وخيمة تتمثل في فشل هذه التعاونيات، بل و انحلال الكثير منها، و بيع معداتها الفلاحية، و تخريب ممتلكاتها و نهبها من قِبل الفلاحين غير المؤهلين و غير المسئولين(مثل ما وقع في تعاونية المجندة بإقليم تاونات)، ناهيك عن قيام الكثير منهم بكراء الأرض أو تفويتها للأجانب رغم عدم السماح بذلك قانونيا و ذلك لعدم الكفاءة و المهنية.
لقد كان من الأولى أن تصبح هذه التعاونيات -بعد مرور أكثر من أربع عقود من تأسيسها- واحدا من الأقطاب الأساسة في مجال الفلاحة على مستوى الإنتاج و الإبداع الفلاحي، إلا أنه وللأسف أصبحت عوضا عن ذلك بناياتُها أطلالا هامدة، و أهلها يتزاحمون في الأسواق مع الموظفين لشراء الحبوب و الخضر… في الوقت الذي كان عليهم فيه أن يكونوا هم منتجيها و مسوقيها، فهل ينسجم هذا مع رفع المغرب لشعار المغرب الأخضر؟!
أما على المستوى الاجتماعي فقد أصبحت التعاونيات الفلاحية بؤرا للتشتت العائلي و التوتر الاجتماعي بسبب ما ذكرناه من خلافات بعد ضياع حقوق الورثة إثر وفاة الفلاحين الأصليين.
إن مجال الفلاحة مثل باقي المجالات الأخرى لا ينفصل عن المجال التوعوي و الثقافي و الأخلاقي، و هنا نطرح السؤال: هل كانت هناك مواكبة توعوية و تكوينية لهؤلاء الفلاحين و هم يزاولون أنشطتهم الفلاحية؟ أم أن شأنهم قد ترك لما سيصنع بهم الزمن كباقي شرائح المجتمع المغربي؟!
ألا يعتبر هذا استهتارا بالمواطن في زمن طالما رفعت فيه شعارات”كرامة المواطن فوق كل اعتبار”و”دولة الحق و القانون”….أم أن البلاد مستعدة لتكرار سيناريو الإنصاف و المصالحة بعد هدر الحقوق و سلب الكرامة و فوات الأوان؟! و من يتحمل مسؤولية هذا الإستهتار؟ أين وصلنا في خيارت تحديد الاختصاصات و المهام و التدبير المقرون بالمحاسبة؟! من يتحمل مسؤولية الأشخاص الذين اعتقلوا لا لشيء سوى لأنهم وقفوا ضد الاستبداد و الظلم الذي طال حقوقهم المشروعة المتمثلة في إرث آبائهم…؟!
إن الدولة المغربية اليوم بجميع هياكلها(وزارة الفلاحة و وزارة العدل و وزارة الداخلية) مطالبة بشكل استعجالي و محتم بإيجاد حل شامل لما يجري في أراضي التعاونيات الزراعية من مشاكل عويصة في صفوف أسر من توفي من الفلاحين الذين منحت لهم هذه الأراضي، و ذلك بخلق أجهزة مختصة كفيلة بضمان حقوق الورثة، و متابعة ذلك إلى مرحلة التنفيذ.
التدوينة ماذا يجري في أراضي التعاونيات الزراعية؟ظهرت اولا على ZINAPRESS.